نحن سكان مدينة الخميسات: هذه أولوياتنا!

- قراءة في نتائج أهم استطلاع رأي أجري لسكان مدينة الخميسات حول شروط إنهاض مدينتهم[1] -

فؤاد بلحسن (باحث)
belahcenfouad@gmail.com




نعم، إنه استطلاع الرأي الأكبر! ولأنه كذلك، يحتاج منا الأمر وقفة خارج حلبات الصراع السياسي ومنابر الخطابة السياسية.
لقد جرت العادة أن يتحدث المثقفون، الباحثون، الصحفيون، السياسيون ونشطاء المجتمع المدني، فيُنصت السكان - أو ربما يَـتِــيهون بين هذا الرأي وذاك، بين وجهة النظر هذه وتلك. لنُــنْصت اليوم، ولو للقليل من الوقت، لِـما قاله هؤلاء السكان أنفسهم بشأن مدينتهم. هذا امتحان لمدى احترام نُـخْبتنا للساكنة المحلية.
...
في التالي، سيجري استعراض سياق هذا الاستطلاع للرأي، ثم تحديد أهدافه، فإجراء قراءة وصفية خاطفة بشأنه بعد عرض النتائج التي أفرزها. ولن تكون هذه الورقة بأي حال من الأحوال محاولة متعسفة للتحكم في تأويل النتائج بما يُــخرجها عما تقوله فعلا. ولتفادي ذلك، سيجري تزويد القُـراء بالمرجعية الخلفية والعناصر التقنية التي أطرت هذا الاستطلاع حتى يكونوا على بـيِّنة بكل شيء من جهة، ولتحتفظ الوثيقة (النتائج) باستقلالها الكامل من جهة ثانية.
...
طَرح هذا الاستطلاع، المنظم بشراكة مع موقع «الخميسات سيتي»، السؤال التالي على الساكنة المحلية: « ما هي سبُل النهوض بالواقع التــنموي لمدينة الخميسات؟».
وطُلب منهم أن يختاروا جوابا واحدا لا أكثر من بين ستة أجوبة.

وقد شارك في هذا الاستطلاع 12056 مشارك(ة). على النحو التالي:
·     الشريحة العمرية:
76% من المشاركين تراوحت أعمارهم بين 19 سنة و36 سنة.
·     النوع:
الرجال: 58%،
النساء: 36%،
دون تحديد: 6%.
وكان القصد من ذلك (الهدف)، محاولة إدراك تطلعات شريحة متنوعة من الساكنة المحلية بشأن ما تراه ذو أولية لإنهاض المدينة (بدرجة أساسية: المجتمع الإلكتروني). [في نفس الوقت، ومن خلال قراءة بالخلف: إدراك التقييم التي تعطيه حاليا هذه الساكنة للواقع الإنمائي للمدينة].
وكانت الأجوبة المقترحة لسؤال الاستطلاع (ما هي سبُل النهوض بالواقع التــنموي لمدينة الخميسات؟) هي:
1.     توفير فرص الشغل والحد من الفقر.
2.     تحسين المشهد الجمالي للمدينة.
3.     توفير وسائل النقل العمومية داخل المدينة وتحسين خدمات النقل من وإلى المدن الأخرى.
4.     إحداث واستقطاب جامعات ومعاهد ومدارس عليا.
5.     الحد من العنف وتوفير الأمن ودعم العمل التربوي والثقافي.
6.     تحسين أداء المجلس البلدي وباقي الإدارات ووقف عمليات سرقة المال العام والرشوة.
وكان الغرض المنهجي من طرح هذه الاختيارات بالتحديد وبهذا الشكل المحدد هو:
1.     توجيه ذهن المشارك إلى ما يراه أولوية قصوى واستعجالية (طُلب من المشارك الجواب بجواب واحد لا أكثر)،
2.     وضع الإجابات الممكنة بصورة يمكن من خلالها تمثل حجم إدراك إشكالية التنمية بالمدينة (فالجواب يتضمن تصنيفا لما هو جوهري وما هو ثانوي في تصور المشارك للتنمية المحلية).
3.     تقسيم الإجابات الممكنة إلى محاور كبرى بقدر ما تـنْـفصل على مستوى الإدراك بقدر ما تتقاطع في على مستوى الموضوع. وهكذا، تمثلت هذه المحاور في التالي:
·     الشغل والفقر؛
·     المشهد الحضري؛
·     التنقل؛
·     التعليم والتكوين في المستويات العليا؛
·     الأمن والتثقيف؛
·     الثقة في الهيئات العمومية والرضا عن خدماتها.

4.     جرى وضع أجوبة عديدة ليجري بلوغ تفاصيل وعي السكان بإشكالية تنمية مدينتهم: الخروج من ثنائية إما وإما، ومن الإجابات التي تتداخل تُـخُومُها بشكل كبير. وحَرِصنا أن يكون للمشاركين حرية أكبر في الاختيار.
وهكذا، جاءت النتائج، بالترتيب، على الشكل التالي:
1.     توفير فرص الشغل والحد من الفقر: 32.6%.
2.     تحسين أداء المجلس البلدي وباقي الإدارات ووقف عمليات سرقة المال العام والرشوة: 24.6%.
3.     إحداث واستقطاب جامعات ومعاهد ومدارس عليا: 23.7%.
4.     الحد من العنف وتوفير الأمن ودعم العمل التربوي والثقافي: 7.6%.
5.     توفير وسائل النقل العمومية داخل المدينة وتحسين خدمات النقل من وإلى المدن الأخرى: 6.7%.
6.     تحسين المشهد الجمالي للمدينة: 4.8%.


يمكن تقديم قراءات متعددة لهذه النتائج. فالأرقام ناطقة هنا بقوة. وهذه إحدى القراءات الممكنة. نقدمها في الملاحظات التالية:
الملاحظة 1: هناك ثلاث أولويات رئيسية بالنسبة للساكنة. وهي: أولا: توفير الشغل ومحاربة الفقر، ثانيا: إصلاح الإدارة الترابية ومحاربة الفساد داخلها، وثالثا: إيجاد بنيات مؤسسية للتعليم العالي (ما مجموعه: 80.9% من المشاركين). وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك توجه واضح داخل الرأي العام يمكن تحديده نوعيا وكميا. فـ 80.9% دالة بما يكفي.
الملاحظة 2: إذا جمعنا نسبَـتَي الأولويتين الأوليين نجد مجموعا يقدر بـ 57.2% من المشاركين. وهذا يعني أن أزيد من نصف المشاركين يؤكدون أن المدينة تعاني من مشاكل حقيقية على مستوى الحكامة (أو بعبارة أبسط، على مستوى الأداء العمومي). وهم يـطالبون بتحسين المؤشرات السوسيو-اقتصادية من جهة وتطوير أداء الإدارة وتطهيرها من الفساد من جهة ثانية. فكَـأن المشاركين يوجهون رسالة واضحة: فهم يقولون بنسبة 32.6% أن «التشغيل ومحاربة الفقر أولا»،  ثم يشيرون، لاحقا، بنسبة 24.6% إلى أن تحسين الإدارة ومحاربة الفساد داخلها يمثل أولوية من الدرجة الثانية ومدخلا للتنمية في نفس الوقت.
الملاحظة 3: جاء التعبير عن أهمية التعليم والتكوين في المستوى العالي في المرتبة الثالثة (لكن بصورة قريبة جدا من المرتبة الثانية). حيث عبر 23.7% من المشاركين عن هذا التوجه. وهذا يعكس، في الواقع، إما حاجة ملحة وقلقا جديا لدى شريحة واسعة ومتنوعة في آن، تضم: الطلاب (تعبير عن حاجة)، التلاميذ (تعبير عن حاجة وقلق) والأولياء (تعبير عن حاجة وقلق).
الملاحظة 4: جاء القلق تجاه مستوى الأمن بالمدينة وكذا تأكيد الحاجة إلى تطوير العمل التربوي والثقافي في المرتبة الرابعة بنسبة تقدر بـ 7.6%. أي أن هذه العناصر تمثل أولية قبل توفير خدمات النقل داخل ومن/إلى المدينة، وقبل تحسين المشهد الجمالي للمدينة. ويتعين قراءة هذه النسبة بالكثير من الإمعان: إن حوالي 8 أشخاص من كل 100 شخص يعتبرون أن أمنهم غير مضمون ولَـدَيهم مخاوف بشأن ممتلكاتهم وسلامتهم الجسدية ويطالبون بتدعيم مجهودات العمل التربوي والثقافي بقصد التحسيس ورفع الوعي الجماعي. وهذه الرسالة غير مشفرة لأجهزة الأمن ولمؤسسات التثقيف والتأطير السياسي والثقافي والتربوي والديني.
الملاحظة 5: لقد جاء اختيار «تحسين المشهد الجمالي للمدينة» في ذيل قائمة الاختيارات. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على ذكاء ووعي الساكنة بأن التنمية الحقيقية للمدينة لا تقوم على تحسين المظاهر (العناصر الثانوية) وإنما على المقومات الأساسية (العناصر الجوهرية)، والمتمثلة في الاستثمار المنتج لفرص الشغل وتطوير الإدارة المنتجة للخدمات وتوفير مؤسسات التعليم العالي المنتجة للقيمة المعرفية المضافة والمـُسهلة للولوج لسوق الشغل.
-------------------------
ما قاله المشاركون ناطق بالكثير من الدلالات والرسائل. وهم بذلك يلقون الكرة في جهة اللاعبين الآخرين: المجلس البلدي، السلطات المحلية، إدارات الدولة الترابية، الفروع المحلية للأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني.





[1] - انتهى هذا الاستطلاع للرأي في أبريل 2016. وتم إرجاء نشره لأسباب عدة تقنية وسياسية (النقاش السياسي الحاد والمبكر قبيل الانتخابات التشريعية). بيد أن نتائجه ما تزال لها راهنيتها القصوى. وأملنا أن يساهم في خلق نقاش جدي وتبادل مستمر بين الفاعلين المعنيين.

تعليقات