فؤاد بلحسن - من الانتظار السلبي إلى العمل الإنساني: كيف يُـنقذ المجتمع المدني ضحايا الفقر والمرض والجهل؟ «مبادرة تنشيط العمل المدني (8)»




 متى تنتهي بكائيات بعض الفايسبوكيين والمغاربة عموما بشأن السكان الــمُعدَمين والفقراء والمرضى ونزلاء دُور المسنين داخل المدن وسكان القرى المعزولة والنائية مِمَّن يعانون البرد والفقر والمرض والجوع والعُزلة والجهل وغيرها من مظاهر الحاجة والعجز؟

 لو كان هؤلاء المستضعفين في مجتمع يحترم الإنسان حقا لحُلَّت الكثير من مشاكلهم على يد بعض المبادرين من دون حاجة إلى دموع لا تُغنِ ولا تُسمن من جوع أو انتظار التدخل الحصري للدولة- هذا مع احترامي طبعا لمشاعر أولئك الذين تَـهزُّهم المأساة الإنسانية عموما، فيُبادرون إلى تقديم ولو القليل. شتَّان بين هؤلاء الذين يستحقون الاحترام وبين أولئك المتباكين لغرض البكاء وربما لمجرد أن يعرضوا "إنسانيتهم" الرخيصة على حائطهم الفايسبوكي في إطار «الماركوتيـنغ الإنسانوي» بينما يكفون أيديهم عن تقديم درهم واحد على سبيل التبرع أو ساعة واحدة على سبيل التطوع أو قطعة لباس على سبيل التضامن الفعلي!
إن بداية الحل تنطلق فوْر تجفيف الدموع. الحل يكون بالعمل الجاد لوقـف معاناة الآخرين. فحتى في فلسطين، حيث مواجهَة عدو غاصب ووحشي، لا يكتف الناس وهيئات المجتمع المدني بالدموع بل يُــجَهِّزون أنفسهم لمقاومته ورد عدوانه وحصاره؛ عبر تقوية الدفاعات وزراعة الأرض وتعزيز مقومات التضامن ودعم التعليم. وجهة نظري، تتلخص في التالي: انتهى الزمن الذي نُحمِّل فيه المسؤولية الكاملة للدولة ونكتفي بذلك، على طريقة "ويل للمصلين"! فاليوم، يتحمل المجتمع المدني هو الآخر قسطا كبيرا ومهما من المسؤولية.
وعلى هذا الصعيد، ما عاد العجز الذاتي لهيئات المجتمع المدني بالمدينة خافيا على أحد؛ فقد أبدت محدودية كبيرة في بلورة بدائل جديدة، بل وانخرطت هي الأخرى في مسلسل البكائيات وسَب الدولة للــتَّعمية عن عجزها الوظيفي.
مع ذلك، لابد من رؤية الجزء الممتلئ من الكأس، ولو على سبيل إقامة الدليل. فلنا في بعض التجارب دروسا وعبرا. يحكي لي صديق من تافراوت كيف أن تضافر جهود الناس، فقراء وميسورين وأصحاب مصلحة، في العديد من القرى هناك أفضى إلى إنجاح عديد من المبادرات وتحقيق عديد من الإنجازات. فقد نجحت هذه المبادرات في شق عشرات الكيلومترات من الطرق. حيث تم ربط تلك القرى بالمراكز الحضرية والخدماتية المجاورة. الأمر الذي فتح الباب لدخول حاجيات وخدمات جديدة (أدوات البناء، سلع استهلاكية،...) وتطوير التبادلات مع الخارج والانفتاح على المحيط.
كذلك الأمر مع جمعية عطاء. فقد استطاعت هذه الجمعية حفر حوالي عشرين بئرا لفائدة عشرات القرى المحتاجة للماء الشروب. حيث انطلقت التجربة كمبادرة شبابية هدفها جمع التبرعات لحفر بئر واحد لتتطور إلى سلسلة مبادرات حققت ما يشبه المعجزة من خلال العمل الخيري والتطوعي.
ويمكن ذكر على هذا الصعيد أيضا، مبادرة «الدْخْلَه بْـكْتَابْ» التي تهدف إلى حفز التنمية داخل القرى من خلال نشر المعرفة. حيث استطاعت هذه المبادرة تكوين ست مكتبات عمومية في ست مناطق مختلفة (كَلميم، بولمان، الشاون، طرفاية، الحسيمة،...) عن طريق التبرع بالكتب استنادا إلى فكرة بسيطة: تنظيم تظاهرات فنية تكون تذكرة الدخول إليها عبارة عن تقديم كتاب. في حوالي سنتَين من العمل، جمعت المبادرة 9000 كتاب. هذا بالإضافة إلى تنظيم عشرات التكوينات ودروس الدعم والأنشطة الثقافية لفائدة سكان القرى المستفيدة من عملية إحداث المكتبات.
هكذا مبادرات هي الكفيلة بسد الكثير من مظاهر العجز وتلبية حاجيات المعوزين وذوي الاحتياجات والمستضعفين من الناس عموما.
لا بديل حتى الآن عن هذا الحل الذي ينطلق من المجتمع نفسه وبعقلية تنموية وأفق إنساني وبلا انتظارية سلبية. فـمَن ينتظر تدخل الدولة الحصري يَـمُت هَـما قبل موته بردا أو مرضا أو فقرا أو جهلا!
نعود للخميسات، إلى دردشة لي، بتاريخ 31 أكتوبر 2017، مع أحد نزلاء دار المسنين بالمدينة. صرَّح لي: «نحن في حاجة إلى الطعام والملبس والمساعدة الطبية». فماذا نحن فاعلون؟ ثم إن الشتاء على الأبواب، وهناك الكثير من المعوزين والمشردين ممن هم في حاجة إلى سقف يأويهم أو بعض الدفء، فماذا نحن فاعلون؟ وهناك الكثير من الأسر التي أنهكها تتابع مصاريف المتطلبات الموسمية (مصاريف العُطل، حاجات شهر رمضان، ملابس عيد الفطر، أضحية العيد، الدخول المدرسي،...) زيادة على المصاريف اليومية العادية ومصاريف المرض، وبعض هذه الأسر في أمس الحاجة إلى بعض الدعم، فماذا نحن فاعلون؟
تـمَّت مبادرات بسيطة من شأنها أن تصنع فرقا كبيرا. وبين هذه وتلك يجب أن تمتد الأيادي الرحيمة لهيئات المجتمع المدني العاملة بالمدينة.
حي على العمل!


تعليقات