إدريس هاني - الجدوى من الاستمرار كمجتمع (أو حين يهدد الهامش مستقبل المدينة) - «مبادرة تنشيط المجتمع المدني (10)»




الناظر في حالة المجتمع المغربي ومدى وفائه لمنظومة القيم الجماعية سيكتشف أن هناك حالة تفكّك قصوى تُـنذر بتحويل المجتمع إلى حالة استذْئاب مرعِبة (=الإنسان كذئب لأخيه الإنسان). ظاهرةٌ تستفحل وتضعنا أمام حالة تستدعي مقاربة علم نفس-اجتماعية. أُولَى تلك المظاهر هو ترنُّح الهويات، أو لنسميها الهويات الحائرة. لنقف عند المدينة المغربية التي افتَقدت الهوية الجيو-ثقافية للمدينة. المدينة التي كَـفَّت أن تكون مدينة بقيمها الآبية للتوحّش. المشكلة هنا أنّ القيم التي هيمنت خلال العقود الأخيرة ليست قيما مدينية ولا قيما بدوية، ذلك لأنّ الهجرة التي ظلت مسارا متّصلا في المغرب كانت في البداية تنتهي بانصهار واندماج بَـــنّاء، فالقيم المدينية كانت تحتوي الوافد الجديد بينما يساهم الوافد الجديد في تعزيز قيم البداوة من الوفاء والمروءة بما يـرفد القيم المدينية ويحرسها من الانفلات. هنا تكون الحضارة بتعبير ابن خلدون غاية البداوة. ففي الأصل كانت البداوة ثم الحضارة. هي غايةٌ عادةً ما تـخــرَب بمقدار ما تنهار فيها القيم. اليوم نجد أنفسها أمام قيم الهامش. وهي قيمٌ لا تمتّ بصلة لقيم البادية ولا لقيم المدينة. لقد أعيد تشكيل اجتماع غير مسؤول وغير قابل للاحتواء والإدماج. تناسَل مجتمع الهامش الذي أنتج ثقافة خاصة وجغرافيا قيمية خاصة. وهي قيمُ الثأر والتمرد والتحلُّل. حتى الكائن الذي يولد داخل هذا الهامش يجد صعوبة في الانعتاق. هناك أجيال جديدة نبتت في جغرافيا الهامش. وهي تهدّد المعنى والاستقرار والثقافة والسلم المجتمعي. إنّ إعادة الاستقرار والأمن واستعادة الهوية المفقودة للمدينة يتطلّب سياسة تقضي بإعادة تشكيل فضاء المدينة وإعادة رسم جغرافيا القيم المدينية وذلك بخوض معركة ضدّ الهامش. تقوم هذه المعركة على أساس تدبير الهامش. هذه المعركة تقتضي مقاربة شاملة لتأهيل ما لم توضع منذ البداية أي سياسة لتأهيله. لقد طغى الهامش وبدأ يتهدّد نفسه وسائر المجتمع. لقد طغت ثقافة الهامش على المدينة. مجتمعٌ بكامله يعيش من دون آفاق. وهويته التي يحرص على التذكير بجدواها كل مرة عن طريق العنف المادّي والرمزي. إنّه حالة عابرة.. هاربة.. قيمُ "ﭬاﮔابون". العجز عن الاندماج يخلق جزرا منفصلة داخل المجتمع. هذا، على المدى البعيد، يعطينا من اليوم صورة عن مجتمع يواجه حتمية الانهيار. قد تسقط الحضارات لكن ماذا يعني سقوط مجتمعات؟ إنّ استفحال حالة الاستذئاب الاجتماعي تنذر بالمصير الذي يصبح التفكير فيه جادّا حول: ما الجدوى من الاستمرار كمجتمع؟ جغرافيا القيم تخضع لقَدريةِ الاقتصاد السياسي في غياب أي سياسة تربوية للمجتمع. الهامش يقوض كل شيء. هنا فقط يمكننا الحديث عن نهاية تاريخ المدينة ونهاية المجتمع.
إنّ المركز لم ينجح في تحويل الهامش إلى جزء من دورته، بل تبدو الحالة اليوم في المدينة وكأنّنا أمام طوبوغرافيا حرب أهلية مقنَّعة..
12/11/2017

تعليقات