يوسف بن هيبة * - المجلس الجماعي للخميسات وسؤال الحصيلة



يشكل غياب ثقافة التعاقد بين الأغلبية المسيرة للمجالس الجماعية والساكنة حول التدبير المتمركز حول إنجاز أهداف واضحة وبمؤشرات دقيقة وخلال فترة زمنية محددة، أحد أهم أسباب ضعف المساءلة والمراقبة الشعبية للسياسات العمومية على الصعيد المحلي، أمر حاول المشرع الدستوري استدراكه من خلال القانون التنظيمي الجديد للجماعات المحلية رقم  113. 14 بإلزام المجالس الجماعية بضرورة إعداد برنامج عمل في السنة الأولى من مدة انتداب المجلس على أبعد تقدير [1]، يتم صياغته بطريقة تشاركية من أجل تعبئة جماعية لمختلف الشركاء  قصد انجاز تنمية محلية مستدامة. 

 إن مناسبة هذا الكلام هو اقتراب اكتمال زمن نصف الولاية التدبيرية للمجلس الجماعي للخميسات، أمر يستوجب من الناحية السياسية والأخلاقية على الفريق المسير للمجلس الجماعي الحالي، أن يقدم حصيلته خلال ثلاث سنوات الماضية، قصد إبراز الانجازات والاخفاقات والانتظارات، قصد العمل على تكريس قيم المكاشفة السياسية القائمة على الانصات والوضوح والموضوعية والتقييم والتصويب .
إن المتتبع للشأن المحلي لواقع مدينة الخميسات يمكنه رصد مجموعة من الانجازات المتواضعة ذات الطبيعة التقنية التي ليس لها انعكاس ايجابي على الحياة الاجتماعية اليومية للمواطنين. نذكر من جملتها على سبيل الحصر :
1.      إعداد والمصادقة على برنامج الجماعة الذي كلف المجلس الجماعي 30 مليون سنتيما لإعداده من طرف مركز دراسات.
2.      رقمنة وثائق الحالة المدنية على غرار مجموعة من الجماعات القروية بالإقليم.
3.      إنشاء الشباك الوحيد من أجل تبسيط الاجراءات الإدارية.
4.      تهيئة بنية استقبال في الملحقات الإدارية (الثانية والرابعة) من أصل خمس ملحقات إدارية بالمدينة.
5.      الرفع من دعم اقتناء كتب خزانة المجلس الجماعي ب 300% ( كانت في السابق مليون سنتيما، الآن 3 مليون سنتيما).
6.      إنشاء موقع المجلس الجماعي للخميسات الذي لا زال غير مفعل بسبب غياب حصيلة ميدانية قادرة على تأثيث فضاء الموقع، وكذا بيروقراطية إدارية تَحُول دون تمكين موظفي المجلس الجماعي المسؤولين على مصلحة التواصل من العمل دون وصاية وتوجس من نشر المعلومة لفائدة الساكنة.
7.      دعم الجمعيات الثقافية والأندية والفرق الرياضية (خلال السنة الثانية من الولاية الجماعية فقط).
يتبين أن حجم الانجازات جد متواضع مقارنة بالرهانات التي كانت معقودة على المجلس الجماعي للخميسات أن يحققها، لكن واقع المدينة يوضح بشكل صارخ حجم الخصاص  والتهميش ، نتيجة قلة  المشاريع التنموية القادرة على فك العزلة عن مدينة طال انتظارها في الاستفادة من المشاريع التنموية على غرار  باقي المدن المغربية. ولعل أبرز مؤشراتها بالمدينة نذكر على سبيل المثال :
1.      استمرار حرمان مجموعة من الأحياء الهامشية بالمدينة من عملية تزفيت الشوارع .
2.      تسجيل هشاشة الطرقات داخل المدار الحضري للمدينة .
3.      ضعف  الانارة الكهربائية في جل أحياء المدينة .
4.      غياب مناطق خضراء في جل الأحياء، حتى المتوفرة منها تعاني من غياب أو ضعف العناية والصيانة وذلك نتيجة غياب سياسة بيئية محلية للمجلس الجماعي  .
5.      لم يستطع المجلس الجماعي خلال ثلاث سنوات من إنشاء ملعب قرب واحد بالمدينة، بسبب غياب وعاء عقاري مناسب لذلك، حيث كان لغياب تصميم التهيئة خلال الولايات السابقة سبباً مباشراً في إتاحة المجال أمام ممارسات غير مواطنة، حوَّلت أغلب المساحات العقارية إلى مشاريع خاصة .
6.      مشكل الباعة الجائلين واحتلال الملك العمومي، حيث لم يستطع المجلس الجماعي، وبالتنسيق مع السلطتين الإقليمية والمحلية، فك هذا الملف،  مما حوَّل المدينة إلى سوق أسبوعي يومي في جل الأحياء بسبب حالة العوز والهشاشة الاجتماعية التي تعاني منها الساكنة .
7.      استمرار مشكل النظافة بسبب تراكم الأزبال في عدة مناطق سوداء وغياب الحاويات، رغم أن الشركة تستنزف سنويا من ميزانية المجلس الجماعي  مليار و 200 سنتيم .
8.      استمرار إغلاق المسبح البلدي للمدينة، وليس هناك مؤشرات عن قرب استفادة المواطنين من خدماته خلال الصيف القادم  .
9.      تدبير عشوائي لانتقال مجموعة من موظفي المجلس الجماعي بين الملحقات الادارية ، مع هيمنة منطق المحاباة وتصفية الحسابات السياسوية .
10.  عدم القدرة على تعبئة موارد مالية باعتبارها مستحقات لفائدة الجماعة، نموذج الواجب استخلاصه الذي يناهز 6 مليار ونصف.
إن مرد ضعف حصيلة المجلس الجماعي خلال نصف الولاية الجماعية الحالية، هو عدم قدرة المكتب المسير على تملك رؤية استراتيجية قادرة على التفاعل مع المستجدات بما يمكن من إقرار سياسات عمومية مواطنة ،حيث استمرار الرهان على دعم وزارة الداخلية من خلال صندوق التجهيز الجماعي. وحتى وإن تحقق ذلك سوف يصطدم بمحاولة اختزال تنزيل مشاريعه في إعادة تهيئة شارع محمد الخامس والساحتين المسيرة والحسن الأول، ويزيد من تعقيد الوضع، غياب تنويع الاستراتيجيات لدى المكتب المسير التي من شأنها الجمع بين تعبئة الموارد المالية المحلية وتنزيل ذلك في زمن معقول .
لعل أحد عوامل الضعف في التدبير الجماعي للمجلس الحالي، أن الأغلبية الحالية بالمجلس الجماعي للخميسات، على غرار مجموعة من التجارب الجماعية، هي أغلبية تمثيلية لأفراد أكثر منها تمثيلية أحزاب سياسية تحظى بامتداد شعبي قادر على الضغط عليها قصد تحسين أدائها،  وضع يُفسر أن الأغلبية الحالية لم تجتمع ولو مرة واحدة قصد مدارسة مسار التدبير الجماعي بغية الوقوف على نقط القوة والضعف وسبل تجاوز ذلك، أمر ساهم في تباين مواقف مكونات الأغلبية المسيرة  خلال دورات المجلس الجماعي ولعل دورة ماي الأخيرة نموذج واضح في هذا السياق .
تتزامن الحصيلة المتواضعة للمجلس الجماعي مع وضع عام بالمدينة يستبطن كل عوامل الكبح لأي أفق تنموي واعد، حيث استمرار حالة انتظار مبادرات ميدانية للسلطة الاقليمية والتي لا زالت بصمتُـها غائبة عن تحريك عجلة التنمية بالمدينة. بدورها السلطة المحلية أبانت عن عجز كبير في تدبير ملفات لها ارتباط كبير بملف التنمية المحلية بالمدينة؛ كاحتلال الملك العمومي، وامتناع باعة سوق الجملة على أداء التعشيرة مما يفوت مداخيل مهمة عن المجلس الجماعي بلغت لحدود الساعة أزيد من 140 مليون سنتيم .
يسجل أن وظيفة الأحزاب السياسية  بالمدينة في التدافع السياسي، تكويناً وتأطيراً ونضالاً، عرف خفوتاً كبيراً جداً؛ ولعل مؤشر إغلاق مقرات الأحزاب السياسية مباشرة بعد الانتخابات التشريعية 2016 بالمدينة مؤشر على ضعف الوساطة الاجتماعية التي يمكن أن تقدمها هذه الأحزاب لفائدة الوطن والمواطنين، كما أن أحزاب المعارضة بالمجلس الجماعي لم تستطع أن توحد مواقفها وجهودها، وهو ما أثر على أدائها؛ إذ نسجل حضورا متواضعا جداً من لدنها للقاءات اللجان ودورات المجلس، مع عدم قدرتها على استثمار الامكانات الدستورية التي يوفرها القانون التنظيمي 113. 14 في عملية الرقابة. فعلى سبيل المثال، تَـقَدم مستشار من فرق المعارضة خلال دورة فبراير بسؤال كتابي واحد، وهو ما ينم عن غياب الفعالية المطلوبة .
الأمر يزيد استفحالاً مع  عملية انزواء مجموعة من الفعاليات المدنية الجادة ، والتي اختارت الاشتغال بعيداً عن الأضواء، وهو ما فسح المجال لبروز " ظواهر بشرية " تحاول الانتساب إلى المجتمع المدني زوراً وبهتاناً، تُحاول تقمص دور الاصلاحي الذي يترافع عن مصالح الساكنة، لكنها  في العمق تحاول تحسين شروط التموقع ضمن شبكة توزيع المنافع والمصالح مستعملةً لغة التهديد والوعيد والابتزاز والتخويف .
بعد تقديم هذه الوضعية عن الواقع التنموي للمدينة، يبقى السؤال المشروع ما هي انتظارات الساكنة خلال ما تبقى من عمر الولاية الحالية؟ وهل هناك مؤشرات دالة على انفراج في الوضع الحالي، بما يمكن من اقرار سياسات تنموية من شأنها تحقيق الكرامة للمواطن الزموري؟
من خلال المؤشرات السالفة الذكر يصعب الجزم  أن المجلس  الجماعي الحالي سوف يتمكن من تحقيق إنجاز تنموي معتبر خلال الثلاث  سنوات القادمة، بالنظر لطبيعة إيقاع اشتغاله المستغرقة في التدبير اليومي ذي الطبيعة الإدارية، وتأجيل الاشتباك مع الملفات الميدانية كملف اصلاح الطرقات، الانارة الايكولوجية، ملاعب القرب، المناطق الخضراء، نظافة جيدة، فتح المسبح البلدي... وحتى إن  تحقق منجز  ما، فإن الزمن السياسي المتبقي لن يسعف المجلس في تحقيق إنجاز  كبير ومقدر.
اذا اعتبرنا أن السلطتين الاقليمية والمحلية عجزتا عن المساهمة في ورش التنمية المحلية من موقع الاختصاصات التي تتمتع بها ، حيث كنا ننتظر منها أن تعالج أزمة الانتظارية التي تعيشها المدينة ، إلا أنها غدت العنوان الأبرز لذلك، كما أن الرهان على المجتمع السياسي يبقى محدوداً بالنظر للوضع العام الذي تعرفه العملية السياسية بالبلاد، والذي أثر على منسوب الثقة في المسار الديمقراطي الذي فقد الكثير من جاذبيته لدى للمواطنين.
يبقى الرهان الأساسي للخروج من هذا المسار تنموي المعطوب بالمدينة، مرتبط بقدرة  الفاعل المدني الجاد على استعادة المبادرة وبتنسيق وتعاون مع القوى السياسية الممانِعة، وذلك بنهج أسلوب التعاون بنفس نضالي مع كل القوى المؤثرة في مسار التنمية المحلية.  ولعل زيارة والي الجهة السيد محمد مهيدية للمدينة وما عرف عنه من متابعة دقيقة للملفات التي يشرف عليها بشكل شخصي، نافذة أمل ننتظر بروز نتائجها في مستقبل الأيام القادمة .كما أن المدينة في حاجة إلى دعم السلطات الحكومية من خلال تمتيعها بمشاريع تنموية على غرار باقي المدن ، وعدم انتظار حراك محلي يبدو أن كل الشروط الحالية تغذي بروزه في أي لحظة ، وتجنب أسلوب التدخل بمنطق الاطفاء . بل المطلوب  هو إقرار سياسة تنموية استباقية تتسم بالعدالة المجالية.
في الأخير يمكن اعتبار بعض التسخينات الظاهرة والخفية من أجل القيام بعزل الرئيس الحالي، وتشكيل تحالف جديد من الأمور التي ينبغي التعامل معها بجدية، لأن من شأن ذلك الضغط على الأغلبية المسيرة من أجل إطلاق و تسريع وتيرة الاصلاحات الشاملة بالمدينة، وتفادي إنجاز مشاريع قائمة على تنمية الواجهة، لكن يبقى السؤال من هو الربان الذي له القدرة على قيادة التحالف القادم إن شُكل، في غياب شخصية تحظى بإجماع الساكنة وقادرة على انتشال المدينة من ركودها الذي عمر لسنوات عديدة.   


(*) باحث في القانون العام والعلوم السياسية 


[1] - المادة 78 من القانون التنظيمي الجديد للجماعات المحلية .

تعليقات