فؤاد بلحسن - خميسات زمن كورونا، وما بعده: رسالة عاجلة وآجلة



 
تمر المدينة والبلاد والعالم سواء بسواء على خط زمنٍ قلِق، ثقيل وصعب. وبقدر ما هذا الزمن استثنائي، بقدر ما يجب أن يكون تعاطينا معه استثنائيا. ولهذا، فإن كل اختزال لأسئلته وقضاياه قد يكون مُكْـلفا، ما لم يكن مدمرا.

أميل إلى اعتبار العبارة المختزلة «بقا فدارك، تحمي بلادك» غير كافية لتجاوز الأزمة، وإن كانت ضرورية، وصحيحة، وصحية. يطرح تفشي فيروس كورنا-19، تحديات كبرى، تقتضي إجابات شمولية، لا جزئية.
ولعل أول شيء يتعين الانتباه إليه هو أولوية عدم اختزال المرحلة في مواجهة تفشي الفيروس حصرا. لأن هذا الاختزال يعطل باقي ضرورات وطاقات الأفراد والجماعات. لقد أخذنا، حتى الآن، مسافة كافية من الصدمة الأولى، بما يجعلنا نفكر في ما بعدها، ما بعد الصدمة.

الساكنة:

ليس لنا إلا نحيي ساكنة المدينة؛ فالأصل هو الالتزام بتدابير الحجر الصحي، والاستثناء قليل. عديدون منا تفاجؤوا بهذا التوجه العام الإيجابي في التأقلم مع ما هو مطلوب. فحتى وقت قريب، كنا نرى أنفسنا، كجماعة، أقرب إلى الفوضوية منا إلى النظام. بينما العكس هو ما نرى الآن. قد يقول قائل، إن الأمر يتعلق بالخوف من الشرطة. نعم، هذا عامل من عوامل كثيرة، لكنه ليس عاملا وحيدا، كما أنه غير كاف لوحده في جميع الأحوال. بل إن الأمر يتعلق باستجابة جماعية لضرورة المرحلة، وطنيا وعالميا. فالوعي، الاقتناع، التعبئة، التحسيس، الخوف، الخطورة، الإجراءات، العقاب، التضامن، الرغبة في حماية الأهل، إلخ، كلها عوامل ساهمت في هذا المنجز الجماعي الذي يعني، من بين ما يعني، أننا جماعة يمكنها أن تنخرط في مشروع جماعي ما- إذا شاءت ذلك. لقد طورنا مشروعنا الوقائي الجماعي في زمن الأزمة، فهل يكون لنا مشروع عام محلي لما بعدها؟ هذا سؤال أساس.
إذا خرجنا من هذه الأزمة، فرادا، بغير تصور لأي مشروع جماعي، فإننا نكون قد ضيعنا على أنفسنا فرصة كبرى في تاريخنا المحلي. وليس المقصود هنا أن تلتقي فعاليات المدينة في مجلس واحد لتخرج بوثيقة واحدة، بل المقصود أن يكون العبور من الأزمة عبورا إلى دينامية جديدة في فعلنا الجماعي، كل من موقعه، بعيدا عن اللغو، والتزاما بالإيجابية والأداء والتشارك والمساهمة والتكامل. ستكون هناك حاجة إلى حوار جماعي، بصوت عال، بين السياسيين والساكنة والمثقفين والناشطين المدنيين، وستكون هناك حاجة إلى انخراط الشباب أكثر في العمل المدني، وستكون هناك حاجة إلى إنفاذ القانون على الفاسدين وعدم التسامح معهم أو التواطؤ معهم لأهداف سياسوية، ستكون هناك حاجة إلى رد الاعتبار للشأن الثقافي وبناء الوعي، وستكون هناك حاجة إلى ترميم العمل الحقوقي والعمل المدني من خلال تنظيف أمعاءه وتجديد رؤاه وتحسين أدائه، وأخيرا ستكون هناك حاجة إلى إعادة الأخلاق للسياسية من لدن جميع الفرقاء السياسيين.

السلطة المحلية:

أعادت هذه الأزمة، وخاصة في مدينتنا – أكثر من غيرها - السلطة المحلية بقوة إلى المشهد. أصبح العامل هو مايسترو المشهد، بعد أن تراجع المجلس الإقليمي – بفعل القانون والواقع- وانسحب المجلس الجماعي أولا بسبب ضعفه الكبير، ثم لاحقا بسبب القوة القاهرة [تحول البلدية إلى بؤرة وبائية]. فمن حسن حظ المدينة، في هذه الأزمة، أن هناك سلطة محلية في هذا الظرف، ومن سوء حظها أنه على رأسها مجالس محلية، إقليمية وجماعية، غير جديرة بالثقة وغير مؤهلة للفعل. وهذا موضوع آخر.
والآن، السلطة العامة المحلية هاهنا، بصلاحياتها، واطلاعها، وخبرتها، وقوتها، وتراتبيتها، وصرامتها. ارتفعت كل الوسائط المؤسسية والحزبية والمدنية، لتجد نفسها أمام الساكنة مباشرة.
ليس الوقت وقت تعداد الأخطاء، ولكنه وقت التذكير بالضروريات. وأولها، أن صلاحيات حالة الطوارئ ليست لاستعراض القوة، بل هي صلاحيات لتدبير أزمة. مخطئ من ينطلق من خلفية "إعادة تربية الشعب على الخوف من المخزن". وخطأه يأتي من كون الخوف لا يولد مواطنا يخدم دولته، بل عبدا يكرس تخلفها. ولولا تخلفنا لما ظهرت هشاشتنا في أكثر من قطاع ومجال خلال هذه الأزمة. فها نحن مثلا، ندق أبواب الآخرين لشراء آلات كشف بسيطة من الناحية التكنلوجية. أن نعيد البناء في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا على أساس سردية "التخويف"، يجعلنا ندخل التاريخ المقبل من بوابة خاطئة مجددا.
ثانيا، هناك حاجة ماسة إلى إدارة هذه المرحلة بحس تضامني، قائم على الاقتصاد والمساواة والحذر.
الاقتصاد في الانفاق العمومي غير الضروري [فليس المواطن وحده من يتعين أن يعيش التقشف]، المساواة بين الناس [الجوع لا يفرق بين من هو معروف عند عون السلطة ومن غير ذلك]، الحذر من خلط الأوراق واستغلال الظرف [العنف مرفوض تحت أي ظرف، والتعاون بين السلطة والمجتمع المدني ضرورة، لا خيارا].
نجد اليوم – وهذا مثير حقا- عون السلطة [المقدم] وقد أصبح قطب رحى أساس في استراتيجية تدبير الأزمة. لم نكن في يوم من الأيام متعلقين بهذا العون الصغير، صاحب الذاكرة العظيمة [أو الـ Big Data العضوية] كما هو الحال اليوم. وإذا كنا تجاوزنا مسألة الرخصة الاستثنائية الخاصة بالخروج بسلام إلى حد كبير، فلا بد من الوقوف عند مسألة دعم الأسر، سواء بقسيمات شراء (البون) أو بالدعم المالي. هذه مسألة تتعلق ليس فقط بحاجات الناس بل بكرامتهم. وتحتاج التراتبية الإدارية أن تعمل هنا بجدية ونزاهة وشفافية، على أساس المساواة والاستحقاق. فمطلوب أن يكون كل هذا تحت رقابة القانون والضمير.
لا نحتاج إلى التركيز بأن بعض المساعدات [في شكل قسيمات شراء] جرى توزيعها خلال الأسبوعين الماضيين في غياب معايير واضحة نستطيع أن نعرضها هنا   (أقول هذا بناء على تواصل مع مجموعة من الأشخاص الذين دقوا هذا الباب ولم يخرجوا بشيء). لكن لا بد من التذكير أن هناك حاجة إلى تدخل من هم أعلى من المقدمين، لأسباب عدة. أولها: تخفيف الضغط عليه (ضغط طلبات المقربين والأصدقاء)، وتخليصه من نفسه في نفس الوقت (قد يحتاج الإنسان إلى الشعور بوجود الرقابة ليشتغل باستقامة).
وإذا ارتفعنا قليلا أو كثيرا فوق المقدمين، لا بد أن يتزامن حضور العطف لدى رجال السلطة مع تنزيل القوانين. نعم، يجب أن نكون صارمين في تنزيل القوانين والعقوبات، لكن في الوقت نفسه لا بد أن نقترب من الناس لنرى حاجياتهم عن كثب حتى ندرك موقع العدالة في كل حالة حالة. المرونة غير المخلة بالواجب، والعدالة الفردية غير المـُخِلة بضرورة المساواة، كلها معادلات دقيقة تحتاج من رجل السلطة استحضار عقله وضميره وأخلاقه وعاطفته دفعة واحدة. فهذا شرط العبور بالدولة والمجتمع إلى ما بعد الأزمة.
إن منبهات الشرطة المفزعة وحملات الدوريات المباغِثة والتدخل السريع للحد من التجمعات وفك بؤر البيع غير الصحية، مهمة مجتمعة للخروج من الأزمة، لكنها لا تكفي. لا بد من سد حاجات الناس حتى لا يضطرون للخروج إلى العمل أو إلى التسول [لا بد من حفظ ماء وجه الأسر]، لا بد من تفهم حاجتهم إلى الخروج في حالات معينة، لا بد من أن نفكر كيف لا نجعل من الحجر الصحي أخطر على صحة بعض الفئات من كورونا نفسه. لا بد للسلطة من أن تكون رحيمة أيضا، خاصة في هذه الظروف. فالناس تعيش في ظل ظرف قاس، ولا حاجة إلى مزيد من القسوة. الحكمة كافية.

المجلس الجماعي:

ما فيه يكفيه: حاليا، نخجل من أن نحاسبه على ما لم يفعله أو أن نطالبه بما يعجز عن فعله. وفي الواقع - وليس هذا جديدا، بل هو تحصيل حاصل - فالمجلس بلغ منتهاه قبل الأزمة وليس خلالها. فما عسانا نضيف في سجل نقده الآن.
وفي جميع الأحوال، إذا كان توجيه النقد ضروريا، فلنختر الوقت المناسب. والذين يبحثون عن الانتقام تحت هذه الظروف، لن يكونوا أكثر فعالية لو تسلموا هم مقالد الأمور. السياسة والأخلاق يسيران جنبا إلى جنب، قبل الأزمة، خلالها وبعدها، وسواء كنت داخل المجلس أو خارجه.
لنمر!

التضامن الانساني:

أعاد تفشي فيروس كورونا-19 العالم بأسره إلى نواته الأساس: البيت، كفضاء للتعاطف والتآزر والاحتماء والتربية. نحن مجبرون اليوم على إعادة ترتيب علاقتنا بهذا الفضاء: أهميته، أولويته، خصوصيته، حميميته،... سنعيد اكتشاف البيت لنعيد اكتشاف أنفسنا، والعكس. وذلك من خلال مداخل عدة:
الحرص على النظر إلى البيت بطريقة مختلفة: أكثر نظافة، أكثر تعقيما، أكثر  توضيبا، أكثر ألفة،...
الحرص على جعل فضاء البيت يليق بأنشطة كانت برانية إلى وقت قريب: الرياضة، شرب القهوة، لعب الأطفال، مراجعة دروسهم، العمل من خلف شاشة صغيرة، الطهي بحب أكثر للطهي في ذاته، ممارسة بعض الأشغال اليدوية أو حتى جلب العمل إلى البيت، إلخ إلخ.
الحرص على كبار السن، الاعتناء بهم، الخروج بدلا عنهم لشراء كل لوازم البيت ضمانا لحمايتهم، لعب دور المهرج الصغير أمامهم، مراقبة دقات قلبهم وحجم ضغط الدم لديهم، محاولة الانصات أكثر لوجهات نظرهم، توعيتهم ببعض الحقائق العلمية، مشاركتهم مشاهدة بعض البرامج، تلبية حاجياتهم، إلخ إلخ...
لكن الحرص على البيت الصغير، لا يجب أن ينسينا الحرص على البيت الكبير (المدينة/القرية/البادية)، والأكبر (البلاد)، إلخ. فــــ«ادخل لدارك تحمي بلادك»، دعوة مكثفة، ترتقي في الظروف الحالية إلى مرتبة الواجب، استنادا إلى الدين والعلم والقانون. البقاء في البيت يختزل التزاما شرعيا بحماية النفس والغير وبالصبر في هذا الظرف العصيب، وسلوكا عقلانيا قائم على العلم، وامتثالا مواطنا لإجراءات الطوارئ.
لكن من الضروري ألا تتوقف مسؤولية الفرد عند الامتناع السلبي عن الفعل عبر البقاء في المنازل، وتتجاوز ذلك إلى الفعل الإيجابي من خلال التأثير في خارج المنزل. وهنا يأتي دور المساهمة الفعلية في التوعية والتحسيس والالتفات إلى الفقراء والأسر المتضررة، والسؤال عن الأهل والجيران، وتصعيد قدرة المقاومة لدى الناس، والقيام بالواجب الممكن تحت هذه الظروف سواء كان عملا أو تطوعا. على الإنسان الواعي واجبات تجاه الجاهل، على الغني واجبات تجاه الفقير، على الطاقم الصحي واجبات تجاه المرضى، على البقال واجبات تجاه الزبناء، على المثقف واجبات تجاه الجمهور، على الصحفي واجبات تجاه الباحثين عن المعلومة،... كما على الدولة واجبات تجاه مواطنيها.

الصحافة:                                                             

فيروس كورونا-19 موضوع الساعة والعالم، ويصعب أن تُقنع صحفيا بأن يلتفت إلى موضوعي غيره. لأن الصحفي في الواقع، لا يبحث فقط عن المعلومة التي تشغل الناس، بل يبحث أيضا عن الناس أنفسهم حتى لا يبور منتوجه الصحفي ومقاولته الإعلامية. فهو يقف على حد فاصل بين رجل الفكر والمعلومة ورجل الأعمال.
لكن الصحافة لا بد أن تنتبه إلى مسألة أساسية، وهي أن الموضوع الواحد، حتى على الأمد القصير، يقتل العمل الصحفي. بل إنه تعبير عن عدم حيويته، وتبعيته. هناك حاجة لعمل صحفي يخلق مسارات إخباري جديدة. ليس بهدف النسيان [نسيان المصيبة] بل تفاديا للاستغراق فيها بلا ضرورة. مطلوب من الإعلام أن ينقل الخبر وأن يمهد الطريق لتحسين حياة الناس الصحية والنفسية والثقافية عبر تقريبهم إلى الحقائق الطبية والسياسية والعلمية والثقافية وغيرها، بل وعبر الانخراط في سرديات البدائل إذا لزم الأمر. وهنا تكون حيويته وإبداعيته وقدرته على المساهمة في الانبعاث من جديد. الصحافة التي لا توفر خيارات وبدائل هي صحافة موت لا صحافة تجديد.
ففي الأزمات الكبرى، لابد أن يصير العمل الصحفي عملا إخباريا وتعبويا في نفس الوقت؛ عبر توضيح ما يجري واستنهاض الهمم لتجاوزه في آن.
وبالإضافة إلى التمسك بنقل الخبر اليقين (الحقائق الواقعية)، كفضيلة مهنية، لا بد من البحث مع المجتمع ولمصلحته عن مخرج من النفق. وذلك عن طريق مواكبة العمل الصحفي لكل القرارات والمبادرات الرسمية والمدنية التي تسعى إلى الدفع بعجلة الحياة، من خلال تشجيع الابداع والإنتاج وتعزيز قدرة التحمل الجماعية وتكريس الوحدة وتعزيز الصحة النفسية، والدعاية الإيجابية، وحتى المساعدة على النسيان (نسيان ما يجب نسيانه: ما الفائدة مثلا في التسابق المَرضي إلى نقل أخبار المنتحرين في هذه الظروف الصعبة؟!! هناك جهل كبير بسيكولوجية المنتحر لدى الاعلام، ولهذا فهو لا يستطيع أن يقيم التوازن المطلوب بين الخبر وأهميته في ظرف معين!).
أقول هذا مع يقيني أن مدينتنا لا تتوفر حتى على مؤسسة إعلامية واحدة - بما تعنيه الكلمة حقيقة-، ولكن كان لا بد من هذا التوضيح. وربما للتأكيد أيضا أن سياسة قتل، خنق، شراء المنابر الصحفية والصحفيين، اليوم تُثبت أنها كانت سياسة خاطئة وبدائية وسلطوية. وأستطيع أن أذكركم أنه في بداية الأزمة، وربما حتى الساعة، ما تزال المدينة تفتقر لمؤسسة إعلامية تحظى بثقة الناس. ولهذا، كانت الساكنة تلتجئ إلى أشخاص لتسأل عما يجري، وليس إلى مؤسسات لتقرأ الخبر اليقين. إنها أزمة حقيقية. وتحتاج لتفكير أعمق على مساحة أوسع من هذه المساحة الصغيرة هنا.
خلاصة القول، هو أن التمسك بالحقائق (الخبر اليقين) عبر مؤسسات إعلامية موثوقة يعني تجنب ومحارب الشائعات والقول الرث و"التْحْنْقيز" الاعلامي. فالحقائق ضمان لبلوغ الرشد.
ولهذا خصصت قناة سي أن أن (CNN) – كما ورد في نص جديد لعزمي بشارة - «فاصلا تبثه في هذه الأيام بين البرامج مؤلف من جمل مختصرة وقاطعة، مفاده التالي:
في زمن اللايقين الحقائق توفر الوضوح
في زمن الهلع الحقائق توفر الراحة
في زمن التضليل الحقائق تصحّح
في زمن الانقسام الحقائق توحّد
في زمن الأزمة الحقائق هي الأهم».

المجتمع المدني:

كتبت سلسلة مقالات طويلة عن المجتمع المدني في المدينة حتى ظن البعض أن لا شغل لي غيره. وإذا كان هناك شيء مهم وذو أولوية لأقوله هنا، فهو أن على المجتمع المدني واجب طمر الفراغ الذي أوجه إخلاء الشارع ونقص الأنشطة في حياة الناس.
عليه واجب أن يبتكر كل ما من شأنه أن يخفف الضغط والتوتر والقلق والاحساس بالعجز والعوز لدى الناس. لا بد أن يُعلي قيم التضامن والعمل المشترك. يتعين على هذا المجتمع أن يوفق بين الاستمرار الطبيعي لأنشطة – ولو رقميا – وبين المساعدة على تغير الوضع لما هو أفضل.
وأدعو كل المجالس التداولية لهيئات المجتمع أن يعقدوا اجتماعات إلكترونية لدراسة الوضع، وتقديم مقترحات للبقاء في المشهد. التضامن، مساعدة الفقراء، الرياضة المنزلية، الكتب، الدراسة، الكتابة، الترفيه، الذاكرة المشتركة، التآزر، التحسيس والتوعية، طرح بدائل العيش، مساعدة الناس على الحصول على المساعدات التي تقدمها الدولة،... وغيرها من مجالات التدخل الممكنة، كلها يجب أن تُطرح على طاولة النقاش بالنسبة ولو إلكترونيا على مستوى هذه الاجتماعات للخروج بأفكار ومقترحات ومبادرات. وهنا لا بد أن أحيي كل الزملاء في المجتمع الذين أبدعوا ووضعوا أنفسهم في خدمة الساكنة: مركز فرونتون (تقديم خدمات للتعليم عن بعد)، جمعية بسمة أمل (دعم الأسر المتضررة)، مبادرة سخرة (تقديم خدمات مجانية للناس حتى يبقوا في منازلهم)، التويزة (صناديق التضامن مع التضررين)، جمعيات الأحياء (التي قدمت مساعدات للأسر المتضررة في آيت طلحة، الرتاحة،...)، شباب التوعية والتحسيس (الذين قاموا بحملات تحسيسية واسعة في بداية الأزمة)، مبادرة الكرامة (التي بادرت إلى الدعوة وتأطير عملية تضامن مع الأسر المتضررة)، جمعية السواني (التي أطلقت مسابقة لتحفيز الشباب على الابداع داخل الحجر الصحي)، وغيرها من المبادرات.
المدينة في أمس الحاجة إلى المجتمع المدني... وهناك الكثير من الأشياء ليقوم بها. ويجب أن ينطلق التفكير في هذا الأمر بجدية ومسؤولية كاملة.

وعي الذات:

أولا من خلال تأمل الذات وهي تأخذ هذه المسافة من العالم-المحيط. فلطالما شكلت الحركة الكثيرة في الخارج مصدرا كبيرا للتشويش على الذات (الداخل) وعلى تدبيرها وحريتها حتى. والآن، لما تعرت هذه الذات أمام صاحبها في لحظة تجمع بين تقلص النشاط البشري والحرمان من بعض العادات والتغير في الاستهلاك والشعور بالخوف وتوفر الوقت وتقليص الفضاء المكاني وانتكاس في حجم الحريات، لا بد من أن تجري محاصرة مساحة الأسئلة في دماغنا بأسئلة جادة حول المبادئ والإيمان والواجب والحقوق والقوة والضعف والأسرة والجار والآخر والبيت والجسم والمرض والمسؤولية والعلم والبيئة، وحتى الادخار والانفاق والاستهلاك.
فلا معنى في أن يكرر المرء أن «العالم في طور التحول»، وهو يتحين الفرصة ليعود إلى روتينه اليومي السابق. نعم، يدخل العالم مرحلة تحول لا ندري نهايته بعد، لكن لا بد أن يتسلح الانسان بإرادة إجراء التحول في داخله هو أيضا.
الإرادة الخيرة/الشريرة، العلاقة مع الأهل، الأولويات، نمط الادخار، نمط الاستهلاك، العمل، الزمن، كلها تحتاج إلى إعادة نظر. ليس ضروريا أن تجري بصورة جذرية، ولكن على الأقل أن تكون جوهرية، ودافعة في طريق الانسان نحو السمو المعنوي.
أختصر...
نحن في زمن مطلوب من كل واحد منا أن يقتل في نفسه أسوء ما فيها، حتى يفسح المجال لأن يَخرج أفضل ما فيه.
ومن خلال مجموعة من الإشارات الروحية التي تخص الفرد والموظف والعامل والمسؤول السياسي والناشط المدني، على السواء، والتي كثيرا ما رددتها السيدة خديجة ظ. خلال هذه الأزمة، وسأجتهد هنا لتكثيفها، يمكن أن نؤكد أنه «ليس الوقت وقت ارتكاب مزيد من السيئات».
 دامت لكم السلامة.

تعليقات