لطيفة بنعاشير - الخميسات: الصحة النفسية أولا
زينب، شابة من مواليد 1996 بمدينة الخميسات، تحمل في قصتها صورة مصغرة لمعاناة مئات الأشخاص في الإقليم مع غياب خدمات الصحة النفسية. منذ طفولتها، كانت شاهدة على رحلة والدها الطويلة مع الاضطرابات العقلية، حيث كان يتلقى العلاج في مستشفى الرازي بسلا. بدلا من أن تنعم بطفولة طبيعية، وجدت نفسها تتحمل مسؤوليات أكبر من عمرها، تزور المستشفى بانتظام لرعاية والدها، وتعيش ضغطا نفسيا متزايدا.
مع مرور الوقت، أصيبت زينب بالاكتئاب نتيجة الضغوط التي واجهتها، وحاولت إنهاء حياتها مرتين. لكن نقطة التحول جاءت بتدخل زوج أختها، الذي تكفل بعلاجها لدى طبيبة مختصة في مدينة مكناس. جلسات العلاج كانت فعالة لكنها مكلفة؛ كل جلسة تكلف 300 درهم، إضافة إلى مصاريف الأدوية التي تصل إلى 1000 درهم شهريا. رغم هذه الصعوبات، استطاعت زينب أن تتعافى، لكن تجربتها أثارت في داخلها حلمًا كبيرا: أن تتوفر خدمات الصحة النفسية في إقليم الخميسات، حتى لا يضطر أحد لتحمل ما عانته هي وأسرتها.
إقليم الخميسات يشهد ارتفاعا مقلقًا في حالات الانتحار، خاصة بين الشباب والفئات الهشة. هذه الظاهرة تعكس تفاقم معاناة الأفراد الذين لا يجدون يد العون، مع غياب شبه تام لخدمات الصحة النفسية والاجتماعية. عندما يترك المرضى دون دعم، تتفاقم حالتهم إلى درجة تجعلهم يرون في الانتحار الحل الوحيد لمعاناتهم.
الخميسات إقليم شاسع ومترامي الأطراف، يضم عددا كبيرا من السكان في مناطق حضرية وقروية متباعدة. رغم الحاجة الماسة، يعاني الإقليم من غياب شبه تام للمرافق الصحية النفسية. طبيب نفسي واحد يزور الإقليم مرة في الأسبوع لا يمكنه تلبية احتياجات السكان، ما يجعل الكثيرين يعانون بصمت أو يضطرون للسفر إلى مدن بعيدة مثل الرباط وسلا ومكناس لتلقي العلاج، مع ما يصاحب ذلك من تكاليف وجهد.
إضافة إلى ذلك، الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأمراض النفسية تزيد من تعقيد الوضع، حيث يتردد العديد من المرضى في طلب المساعدة، حتى في الحالات الحرجة.
رغم جهود وزارة الصحة في إنشاء مصالح مندمجة للصحة النفسية في مستشفيات إقليمية بمدن مثل الناظور، شفشاون، تيزنيت، الدار البيضاء، فكيك وسيدي بنور، وإطلاق مشاريع جديدة ، يظل إقليم الخميسات غائبا عن هذه الخطة. هذا الإقصاء يترك السكان في مواجهة معاناة متزايدة، مع غياب أطر طبية متخصصة وأقسام للرعاية النفسية في المستشفى الإقليمي.
قصة زينب تؤكد أن العلاج النفسي يمكن أن يُحدث فارقا كبيرا. الحلول ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى التزام حقيقي من الجهات المسؤولة، ومنها:
1. إنشاء مراكز نفسية محلية موزعة في مناطق الإقليم لتقريب الخدمات من السكان.
2. توظيف أطباء نفسيين وأطر متخصصة وتقديم حوافز للعمل في المناطق القروية.
3. إطلاق حملات توعية للقضاء على الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية وتشجيع الأفراد على طلب المساعدة.
4. تعزيز دور المجتمع المدني لتقديم دعم مباشر للأسر من خلال جلسات دعم جماعي وأنشطة توعوية.
حالة زينب ليست استثناء، بل تعكس واقعا يعيشه العديد من المرضى وعائلاتهم في إقليم الخميسات. الأرقام المتزايدة لحالات الانتحار مؤشر خطير يستدعي تحركا عاجلا.
لنطالب بتحقيق الحلم: توفير خدمات نفسية قريبة ومتكاملة لكل محتاج في الإقليم.
الصحة النفسية ليست رفاهية... إنها حق. لنكن جميعا جزءا من الحل!
أحسنت ✅
ردحذفجيد بالتوفيق ان شاء الله وارجو ان يزال الحرج في التعاطي مع هذا المشكل مستقبلا
ردحذف