فؤاد بلحسن - احتفاء بالسي أحمد بوبية ومذكراته وبانتفاضة الخميسات لسنة 1937 - «مبادرة تنشيط العمل المدني (5)»

 



"تَعِسٌ الشعب الذي يحتاج إلى بطل وتعس الشعب الذي ليس عنده بطل"
مصطفى النحاس


إن استعادة سيرة المرحوم السي أحمد بوبية ومذكراته[1]، هي، بالنسبة لمدينة تعيش على إيقاع تصفية كل ما هو جميل وخَـيِّر، لا تُـعد عملية استرجاع للتاريخ فحسب، وإنما هي عملية إعادة تكريره من أجل المستقبل. فهنا نتذكر عَــلَـما من أعلام مدينتنا الكبار. رجل جمع بين قيادة العمل الوطني وتأسيس العمل المدني والحزبي والبحث في تاريخ المدينة وتطورها والمساهمة في بناء المغرب الحديث ما بعد الاستعمار. ثم لأن حياته ارتبطت بحدث كبير ومفصلي في تاريخ مدينة الخميسات والمغرب: انتفاضة 22 أكتوبر 1937 الشهيرة. وهذا فصل آخر من التاريخ الجميل والمشرف.

*    *    *
حين استكمل السي أحمد بوبية أربع سنين، بدأ تعلم القرآن على يد الفقيه السيد عبد السلام بن عيسى الغرباوي ودَرَس على يده أيضا بقبيلة «آيت أوريبل». عقِب 6 سنوات من التمدرس، أكمل استظهار القرآن، فرحل عند والده بقبيلة «قبليين» حيث كان هناك فقيهٌ له دراية بالنحو والفقه، فحَفِظ عليه المـُتون (متن ابن عاشر ومتن الأجرومية ومتون أخرى في النحو والتصريف والمنطق والبلاغة). في الحادي عشرة من عمره (خريف 1931)، قـصَد مدينة مولاي إدريس زرهون ثم إلى مدشر بني مرعاز[2]، حيث شرع في تحصيل العلوم الشرعية بجامع بني مرعاز. وفي أبريل 1934، انتقل إلى فاس، وتم تسجيله في جامعة القرويين. وهكذا، استكمل دراساته بفاس، حيث درس فيها الفقه، التفسير، الحديث، علم الكلام، المنطق، البلاغة، النحو، التصريف، الآداب، علم الحساب، السيرة والتاريخ. وخلال مقامه هناك، أدى سي أحمد بوبية دورا مهما في إقناع مجموعة من الطلبة الزموريين بالتوجه للدراسة بالقرويين. وقد كان من نتائج الاتصال بين الطلبة الزموريين بفاس، أنْ أسس، بـمَعِية آخرين، «الرابطة الطلابية لزمور»؛ حيث تمثَّل دور هذه الرابطة في السعي في الاعتناء بشؤون الطلبة الزموريين الدارسين بفاس والبحث في العطل عن جلب التلاميذ للدراسة هنالك- وذلك على النقيض من السياسة الاستعمارية الفرنسية التي كانت تبعد سكان المنطقة من الاتصال بالحواضر الكبرى وبمناطق تواجد الوطنيين. وفي فاس نـمَى أكثر وتعمق حِسه الوطني وفكره السياسي وتم انفتاحه على قضايا المغرب والمغرب العربي والشرق الأوسط وقضايا الاستعمار والعالم بعد الحربين العالميتين I و II. وفيها أيضا جرى تعرُّفه وتنسيقه وعمله مع مجموعة من رموز الحركة الوطنية، وعلى رأسهم الزعيم علال الفاسي.
في أوائل غشت 1936، أسس بالخميسات، إلى جانب مجموعة من الشباب وبدعم من مجموعة من التجار والحرفيين من الخميسات، أول فرع للحركة الوطنية بمنطقة زمور في الخميسات.
وقد برز اسمه، كقيادي وطني، خلال انتفاضة المدينة ضد السلطات الاستعمارية، فيما عُرف بانتفاضة الخميسات الشهيرة والدامية بتاريخ 22 أكتوبر 1937. وهي الانتفاضة التي بلغ صداها إلى خارج المغرب. إذ أنه انطلاقا من المسجد العتيق، حيث تم رفع شعارات وطنية رافضة لسياسة الإقامة الفرنسية في منطقة زمور عموما ومدينة الخميسات على وجه الخصوص، اندلعت اشتباك بين الوطنيين وجماعة من الساكنة من جهة وقوات الاستعمار من جهة أخرى. ثم امتدت الاشتباكات إلى مكان إقامة ممثل الإقامة الفرنسية يومها. حينها، سقط خلالها قتلى وأصيب العديد من الجرحى. وأدى الحادث إلى تدخل عنيف من لدن الإقامة الاستعمارية، بل وانتقل المقيم العام الفرنسي بنفسه إلى المدينة لمتابعة الوضع في عين المكان. اعتقل في نفس اليوم أحمد بوبية ورجال آخرين. وعوقِب بسنتين سجنا قضاهما في سجن لعلو بالرباط.
اشتغل سي أحمد بوبية مراسلا وكاتبا صحفيا في العديد من الجرائد المغربية في فترة الاستعمار (جريدة الأطلس، جريدة المغرب،...). كما قام بأدوار وطنية، منها تقديم الاستشارة للزعيم علال الفاسي بشأن منطقة زمور. واستضاف العديد من الشخصيات العامة في بيته بالخميسات، من بينهم الزعيمان علال الفاسي والمهدي بنبركة. كما كلفه محمد الخامس بالعديد من المهام الرسمية في أكثر من مدينة مغربية.
كـتبَ مذكراته السياسية وعنونها بـ «قبائل زمور والحركة الوطنية». قدم فيها عرضا مستفيضا ودقيقا حول القبائل المنتمية لمنطقة زمور وتطور المدينة منذ فترة الاستعمار إلى سنة 1937 ونشأة الحركة الوطنية. غير أن الموت حال دون إتمامه لهذه المذكرات؛ إذ توَقَّفت عند أحداث سنة 1937.
توفي، رحمه الله، في 14 ديسمبر سنة 1978، عن عمر يناهز: 58 عاما.
ثم ماذا بعد؟ ما علاقة هذا بالعمل المدني؟
إن مجتمعا يعيش بلا ذاكرة مجتمع بلا مستقبل!
إن المجتمع المدني الذي لا يعترف بقيمة رجاله ونساءه الكبار لن يكون في خدمة لا القيم ولا الانسان!
إن الهوية الجماعية التي لا تُعلي من نصوصها الكبيرة – مذكراته في هذه الحالة – هوية محكوم عليها بالتيه الآني والآجل!
السي أحمد بوبية يجب ألا يذوب في التاريخ، والذكرى السنوية التسعون لانتفاضة الخميسات ضد الاستعمار، كحدث وطني بارز في تاريخنا المحلي والوطني، قريبة،  ثم إن البحث في تاريخ وسِير أعلام المدينة مسألة حيوية من الناحية الثقافية والتنموية.
فماذا أنتم فاعلون؟!
 
10-10-2017





[1] - جزء من هذا المقال مأخوذ من نص أطول يتضمن سيرة مفصلة للرجل سيُـنشر لاحقا من قبل كاتب هذه السطور.
[2] - يقع هذا المدشر بشمال مدينة مولاي إدريس زرهون على بعد ستة كيلومترات تقريبا.


تعليقات