فؤاد بلحسن - خميسات 2018: تركيب ضروري





«سُكون هامْليت مليئ بالأحداث!»
 مقولة ثقيلة مجهول صاحبها



دعنا نُقر – بالرغم من أن هذا الأمر قد لا يتفق معه عديدون - أن الخميسات في 2018 بدت مختلفة نسبيا وبصورة إيجابية عن السنوات الماضية، على الأقل إذا قارناها مع الفترة 2011-2017. وإذا كان المتشائمون بالطبيعة هم من سيرفض أو يُعارض هذا القول، فهذا أمر يزيد هذا التقرير مصداقية لا العكس. وفي جميع الأحوال، سيعرض هذا التقرير بعض الحجج والمعطيات الميدانية التي ستضع بين يدي القارئ عناصر قد تفيده في تكوين رأيه/حُكمه المستقل.

نعم، لقد تحركت هذه الأمور في 2018 في اتجاه إيجابي دون أن يعني هذا أن كل مؤشرات الانماء أمست جيدة أو حتى متوسطة، إذ استمر وجود الكثير من الاتجاهات السلبية والتي تشهد عليها عديد من المؤشرات السوداء والأمراض المزمنة في حياة المدينة. وقد تفاوتت في هذا الشأن مختلف المجالات: سياسة، تدبير، ثقافة، مجتمع مدني، بيئة، تراث مادي،...

في السياسة:

نُقر أن أسوء هذه المؤشرات تمثَّل في مجال السياسة. فقد عبر الساسة عن عقم وشلل واضحين. غير أن سنة 2018 سجلت خصوصيةً ذات شأن، تمثلت في أن الشلل غطى حتى الفروع الحزبية التي كانت تُسجِّل حضورها وتضع بصمتها بصورة أو بأخرى في مسار الحياة السياسية محليا، سواء في الأغلبية (العدالة والتنمية) أو المعارضة (حزب الاستقلال، حزب التقدم والاشتراكية). كما أن المشهد الحزبي لهذه السنة سجَّل تعثر  أحزاب أخرى يظهر أنها لم تستطع أن تجد لها موطئ قدمٍ صلب (فيديرالية اليسار الديمقراطي). بينما استمرت أحزاب أخرى في أداء الدور المنوط بها والذي احترفته منذ أزيد من 15 سنة، سواء كأداة للرقي الاجتماعي وتوسيع النفوذ أو كأداة للتحكم في اللعبة السياسية (حزب الأحرار، حزب الاتحاد الاشتراكي، حزب الأصالة والمعاصرة، الحركة الشعبية،...). بينما ظلت باقي الأحزاب الصغيرة بدون تأثير يُذكر في قواعد اللعبة: موجودة اسما لا فعلا.
ولم يتوقف شلل وعقم المكونات السياسية على هذا الصعيد، بل امتد إلى قدراتها في التأطير والتأثير  على الرأي العام، إلى درجة أن بعض الشخصيات ذات الخلفية الثقافية البسيطة (مراد بوعلام، مثلا) أمست لها قدرة أكبر على حشد وتأطير الرأي العام مقارنة بمجموع المكونات السياسية. ونفس الشيء يمكن قوله بشأن تنشيط النقاش السياسي.
تفسر مجموعة من المعطيات سبب هذا التدهور في فعالية المكون الحزبي. وبما أنه لا يتسع المقام لعرضها تفصيلا، نكتفي بعرض رؤوس الأقلام: 1. تداعيات أزمة الأحزاب في المركز على وضعها المحلي (العدالة والتنمية [حزب يفقد حيويته تدريجيا]، الأصالة والمعاصرة [حزب رخو لا يلتفت كثيرا إلى مكوناته المحلية]، حزب الاستقلال [تحييد شباط أضعف بعض القيادات المحلية، كبنحمزة مثلا])، 2. عدم كفاءة أو شيخوخة أو انتهازية القادة المحليين لبعضها (حزب الأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الاشتراكي)، 3. سوء المراهنات السياسية بالنسبة للبعض الآخر (رهان العدالة والتنمية على بلفيل)، وفشلها مجتمعة في خلق مرجعيات سياسية وقنوات تواصل سياسي فعالة ومقنعة للرأي العام المحلي وَ4. فشلها في استيعاب التطور التكنلوجي الهائل الذي أفقدها الكثير من مقومات قوتها وسلطتها على الناخبين وحيرتها وعجزها أمام دينامية الشباب وطرقهم في إدراك القضايا السوسيو-سياسية والحكم عليها.
سنة 2018 سجلت أيضا انخراط سكان المدينة بقوة في حملة مقاطعة بعض الشركات المغربية (سانطرال لمشتقات الحليب، إفريقيا للمحروقات، سيدي علي للماء المعدني). وهو الحدث الذي خلق نقاشا عاما واسعا في صفوف الساكنة المحلية[1]. لقد أعطت هذه المشاركة لصوت الساكنة وموقفها ثقلا سياسيا وتوجها اجتماعيا بارزا. وهي اليوم تشكل رصيدا مسجلا في ذاكرتها الجماعية بلا شك. وقد نجد له صدى في توجهات التصويت في الانتخابات المقبلة مثلا (في حالة التصويت العقابي مثلا).
وشهدت أيضا المدينة إعلان نقابة التجار والحرفيين إضرابا عاما في 26 من رمضان. حقق الاضراب نجاحا نسبيا[2]، وخَلق هو الآخر نقاشا واسعا. وأعطى إشارات للسلطات بشأن الفجوة التي ما فتئت تتزايد بينها وبين مصالح الساكنة عموما والتجار خصوصا[3].

في التدبير:

يبدو أن هذا المجال يعرض حصيلة ذات قطبين. ففي المقام الأول، هناك مظاهر التصدع والارتجال والفشل، متمثلة في أداء المجلس الجماعي وفي طريقة إدارته للدورات والتفاعل مع/في الفضاء العمومي من جانب، ومن جانب آخر في طريقة تدبير المجلس الإقليمي لواحدة من أكبر  صفقات الأشغال العمومية في تاريخ المدينة (صفقة السبعة مليارات سنتيم التي همَّت شارع ابن سينما من أمام المستشفى الإقليمي إلى مفترق الطرق بالقرب من محطة أداء الطريق السيار). فعلى مستوى أداء المجلس الجماعي، استمرت لعبة «شْدْ لْـيَ نْطْلْقْ لِيك» في كثير من الملفات سواء فيما بين مكونات الأغلبية نفسها (خاصة بين رئيس المجلس، عبد الحميد بلفيل، وبعض مستشاري العدالة والتنمية) أو بين هذه الأخيرة والمعارضة، وذلك على حساب خدمة مصلحة المواطنين بالتوافق فيما بينها. هذا في وقت أمست طريقة إدارة الدورات تعكس مستوى توحش الثقافة السياسية المحلية، والتي يبدو أنها لم تخرج بعدُ من ثقافة الغُلب (أو الغاب – كلاهما صحيح) لتعانق ثقافة الديمقراطية، بلْه ثقافة التوافق. وهكذا، أمسى المواطن المحلي يشاهد بأم عينه مستوى الانحطاط التي يجري من خلاه تدبير مصالحه. فأي ثقة بين الناخب والسياسي قد يُعوَّل عليها والحال ما نراه؟! أما على مستوى صفقة 7 مليار سنتيما، فالفضيحة صارت أكبر من أن يختزلها الوصف أو التحليل أو التقييم. وفي الوقت الذي يلف هذا الأمر صمت رسمي مطبق، يتساءل المواطن ماذا تنتظر وسائل الاعلام والأحزاب والهيئات المدنية والمفتشيات الرسمية والمجلس الأعلى للحسابات حتى تجعل من هذا الموضوع ملفا عموميا للنقاش والمحاسبة؟ ألم يكْف أننا كنا أمام عملية ضحك على الذقون منذ البدء (إصلاح شارع في وضعية جيدة)؟ ألا يكفي أننا أمام صفقة شعوذة تمت تحت ضوء الشمس (صفقة بسبعة مليارات سنتيم تُحوِّل شارعا إلى أسوء مما كان!!! – لم أسمع بهذا في حياتي)؟ ألا يكفي أن يجري توقيف الأشغال لأزيد من 3 أشهر تقريبا من دون أن يُبَلَّغ الرأي العام المحلي سبب ذلك؟ ألا يكفي كل هذا الخراب المنتشر  [إنارة سيئة، مشاهد ظلام بشعة، رصيف مدمَّر أو غير منجز في أكثر من موقع، طريق بلا تشوير، أشغال غير تامة، تزيين غير منجز، أغراس منعدمة، إلخ .. إلخ...)؟ ثم أين هي الأحزاب من كل هذا، وخاصة أحزاب المعارضة المسترخية؟!
أما في المقام الثاني من هذه الحصيلة، فإننا نسجل إرهاصات أو مؤشرات تحركٍ إيجابي في أكثر من موقع شهدته المدينة خلال هذه السنة على مستويات الطرق، الحدائق والتراث المادي...
فيما يخص الطرق والحدائق، والتي يندرج بعضها في إطار برنامج هيكلة طرق وحدائق المدينة (بمبلغ إجمالي يقدر  بأزيد قليلا من 4 مليارات سنتيم[4])، انطلقت عملية ترسيم وتوسيع وتزفيت مجموعة من الطرق الرئيسة في شبكة المدينة (شارع المعمورة، شارع التمايرية، شارع الأدارسة). كما تم الانتهاء من إنجاز حديقة بالمنطقة المعروفة بالسقاية بحي الكرامة، وشُرع في إصلاح حديقة ساحة الحسن الأول. وكذلك تجري عملية ترميم وتجهيز ملعب المعمورة لكرة القدم (المعروف بملعب الحنفي).
وبالنظر إلى حجم وطبيعة هذه المشاريع، يمكن عرض مجموعة من الملاحظات:
1. بلُحاظ حاجات المدينة المستعجلة والأساسية، يبدو من خلال كيلومترات الطرق وعدد الحدائق والملاعب التي غطتها هذه العملية خلال سنة 2018، أن هذه المشاريع غير كافية البتة؛ إذ أنها لا تُغَطي إلا نسبة قليلة جدا من الأحياء والشوارع والأزقة، وهو ما يعني أن مجموعة كبيرة من الساكنة ستظل محرومة من هذه المرافق.
2. تثير الطريقة التي جرى من خلالها انتقاء الشوارع المستصلحة الكثير من علامات الاستفهام، حتى  مع إقرارنا بأهمية تلك الشوارع ومحوريتها بالنسبة للشبكة الطرقية الداخلية. حيث تأكَّد من خلال المعاينة الميدانية لها أن الأمر يتعلق بشوارع اختيرت استنادا إلى خلفية لا يُستبعد أن تكون مرتبطة بمصالح خاصة وبرهانات انتخابية كذلك. لنحللها حالة حالة:
شارع المعمورة: يأخذنا مسار هذا الشارع رأسا إلى إقامة سكنية تجارية واسعة جديدة (إقامات ديار المنصور 2) تُشَيَّد بحي المعمورة بالقرب من المقاطعة الخامسة هناك.
شارع الأدارسة: يأخذنا مسار هذا الشارع رأسا إلى المدرسة الخصوصية الجديدة «نور الهدى» وإلى مشروع الإقامات الكبير  «إقامات المنصور 1»، وهي مشاريع خاصة تعود إلى ملكية البويرماني، رئيس البلدية السابق وحليف الرئيس الحالي، أو إلى مقربين منه.
شارع التمايرية: يأخذنا مسار هذا الشارع رأسا إلى فئة تُـمثل رهانا سياسيا وانتخابيا بامتياز (=بائعو التمور). فأصوات هذه الفئة، وكما جرت العادة، تُغذي باستمرار لوائح انتخابية بعينها تشارك في تغذية جميع تحالفات الأغلبية التي تشكلت خلال الولايات الثلاث الأخيرة.
وهكذا، وكما ظهر أعلاه بوضوح، فإن كل الطرق تؤدي إلى مصالح خاصة أو فئوية (إقامات، مشاريع تجارية، رهانات انتخابية،...).
ولكن مع ذلك، لا يمكن إنكار أن ما شُرع في إنجازه من مشاريع شكَّـل بشرى خير  لفئة من الساكنة في الحد الأدنى. "اللهم العمش ولا العمى"! والمهم هو أن تتوسع وتستمر عملية الاصلاحات والانجازات هذه.
في الربع الأخير أيضا من 2018، بدأ تنفيذ صفقة لتهيئة المركب الثقافي الأطلس (كنيسة طيريزا) من لدن المديرية الجهوية للثقافة –جهة الرباط سلا القنيطرة. فأخيرا جرى الالتفات إلى هذه المعلمة الثقافية التي تؤرخ للبدايات الأولى للمدينة ولسيرتها مع الاستعمار الفرنسي. كانت الكنيسة على وشك أن تُسوى بالأرض بعد أن عاثت فيها أيادي الجهل بقيمة التراث المادي. وبهذه المناسبة، نُبقي السؤال مفتوحا للتأمل جيدا: أي قيمة ستكون لهذه المدينة بدون المسجد العتيق والزاوية التيجانية وكنيسة طيريزى وثانوية موسى ابن نصير وبرج التاج بساحة المسيرة وغابة المرابو؟ أي مصلحة لنا وللمدينة ولهويتنا المشتركة في فَقد هذا التراث المادي والطبيعي النادر أصلا؟ بماذا سنتمسك لاحقا إذا فقدنا أي معلمة من هذه المعالم، بما يسمى تندرا بتمثال "جُوج بغال" مثلا؟!!

في الاقتصاد والتشغيل:

على مستوى الاقتصاد والتشغيل، يصعب الحديث عن تحسن في أداء الاقتصاد المحلي. إذ لم تشهد المدينة أي مشاريع استثمارية كبرى في هذه السنة. فما يزال أبناء المدينة يتصيدون فرص الشغل خارج المدينة أو خارج البلاد[5]. وسجلت هذه السنة أيضا توسعا في حركية الاقتصاد غير المهيكل، حيث ظهرت بؤر أخرى للبيع بالتقسيط (ملابس جديدة ومستعملة؛ مواد غذائية)[6]. هذا في وقت استمرت عمليات تجهيز  واستصلاح المقاهي بصورة مثيرة في مدينة تشهد معدلات بطالة تفوق المتوسط الوطني (مع العلم أن هذا استثمار لا يوجد فرص شغل مهمة). كما تـكَرس في هذه السنة التوجه نحو تشييد وفتح المزيد من مدارس وأقسام التعليم الخصوصي، والذي يمكن أن يُعد اليوم أهم قطاع يخلص فرص شغل جديدة في المدينة، إلى جانب قطاع البناء.

في العمل المدني:

سنة 2018 أيضا شهدت إطلاق الناشط البيئي حمادي لمبادرة جميلة بشارع شعيب الدكالي همت تنظيف وتزيين أكثر من زقاق تحت شعار «هْبْطْ تْجْمْعْ كَـاغِيطـْـكْ!»، ما لبثت أن انتقلت إلى أحياء مجاورة (كحي المعمورة والأزقة المجاورة لمسجد اليمن). حيث قدمت هذه المبادرة درسا كبيرا في العناية بالبيئة المحيطة، باعتبار أهمية سلامة وجمال محيط الإنسان. وقد أُتبعت هذه المبادرة بمبادرة بيئية أخرى همت تنظيف غابة المرابو أنجزها شباب «نادي السينما والثقافة» بقصد التحسيس ولفت الانتباه إلى المخاطر البيئية المحيطة بالغابة الحضرية الوحيدة للمدينة.
لكن في نفس الوقت، سجلت سنة 2018 أيضا، خفُوت صوت وحضور مجموعة من المنابر الاعلامية ذات الوقع الكبير  على الوعي المدني في المدينة (خاصة موقع الخميسات سيتي). كما أن هذه السنة شهدت خلال نصفها الثاني – ويا لحسن الحظ - تراجعا نسبيا في نشاط تجار المجتمع المدني (الصراصير). وهو التوجه الذي يتعين أن يستمر حتى تقطع المدينة مع ثقافة أولئك "الذين يتبعون كل ناعق"، إذ أن الانجرار وراء أسماء مَردَتْ على النفاق واستحمار شباب المدينة ووعي الساكنة يمثل تكريسا لحالة سوسيو-ثقافية تُسيئ للمدينة ولمصالح ساكنتها وتُؤبِّد مظاهر الانتهازية والتطبيع مع السرقة المقنعة والنضال المدني الـمُمَسرح.

في الثقافة:

في هذه السنة، تم رفع وتيرة تنشيط مؤسستين ثقافيتين رئيسَتين في المدينة، وهما دار الشباب 20 غشت وفضاء خدمات الشباب. أما مكتبة المجلس الجماعي، فقد تحسنت مؤشرات إعارتها للكتب والقصص بشكل كبير بينما لم عجزت في تطوير أدائها على صعيد التنشيط الثقافي.
استقبلت القاعة الكبرى بدار الشباب 20 غشت، بعد ورش صيانة وإصلاح هذه الأخيرة، مجموعة من الأعمال المسرحية واللقاءات الثقافية بوتيرة ملحوظة. وأقام فضاء خدمات الشباب عشرات الأنشطة الثقافية خلال السنة. بحيث يمكن القول أن سنة 2018 كانت ذروة الانجاز الثقافي بهذا المركز منذ تأسيسه عبر إحداث مكتبة محمد أكَرام وتأسيس مجموعة من النوادي الثقافية [نادي الثقافة والسينما (وهو النادي الأكثر نشاطا في فئة الشباب)، نادي الأنوار (للأسف، توقف نشاطه)، نادي الطفل (نادي تربوي-ثقافي جد نشيط موجه للأطفال) نادي للنقاش باللغة الانجليزية (نادي حديث النشأة، ينشط بانتظام)، ونادي فن العيش البسيط (الذي بدأ أنشطته مباشرة مع مطلع العام الجديد).
هذا بينما طبع نادي سحر الكتب بصورة لافتة الحياة الثقافية للمدينة بصورة إلى درجت أثارت إعجاب كثيرين بحيوتها وإبداعيتها. حيث تخصص هذا النادي في أنشطة التحفيز على القراءة الحرة وحب الكتاب وخلق النقاشات المتمحورة حول عديد من المواضيع الفكرية والثقافية، كما أنه أطلق جائزة ثقافية سنوية لفائدة خدام الكتاب والثقافة في المدينة، والتي كانت نسختها لسنة 2018 من نصيب الأستاذة القديرة عفاف بنزكري. كما بلور هذا النادي استراتيجية ناجحة في العمل مع النوادي الثقافية التلاميذية داخل المدارس وحقق نتائج جد مهمة، شكلت نموذجا للتفاعل والتعاون بين المدرسة والمجتمع المدني.
وخلال سنة 2018 أيضا، استمر نادي البحث في المدينة (الخميسات) - وهو ناد بحثي وثقافي رقمي – في نشر مجموعة من الدراسات والمقالات، كان أبرزها المشروع الكتابي الذي نُشر في سلسلة مقالات تحت عنوان «مبادرة تنشيط العمل المدني»، والذي سعى إلى تحفيز النقاش في مجال العمل المدني، الثقافي والاجتماعي والانساني. بينما ظلت وتيرة البحث العلمي في هذا النادي ضعيفة نسبيا بسبب ضعف التحاق الباحثين به وقلة المساهمات المقدمة والمنشورة فيه. ثم لا ننسى أن تَطَبُّع فئات واسعة من الساكنة وتفضيلها لمقالات الجريمة والانتحار وقصص الإثارة سيستمر في أداء دور كابح لكل مبادرة جدية في مجال البحث والتنوير والأخبار.
وتبلورت، خلال نفس السنة، مبادرات وأعمال أخرى على الأرض من تنظيم مجموعة من الجمعيات الاجتماعية والتنموية، وعلى رأسها جمعية بسمة أمل، جمعية السواني، جمعية علوم الحياة والأرض، جمعية التويزة، إلخ. لكن يبقى القاسم المشترك بين عديد من الجمعيات النَّشطة في المدينة هو تكريسها لمجهودات كبيرة في أنشطة تفتقر للوقع الميداني؛ فالعديد منها يكتفي بتنظيم ورشات نقاش نظري وتكوين يفتقر للمتابعة وتقييم الأثر وتحويل الأفكار إلى عمل ميداني. فعلى سبيل المثال تكرس بعض الجمعيات اهتمامها بالتكوين في المرافعة من دون أن تكون ملفات مرافعة حقيقية، وربما تهدر ملايين السنتيمات على نفقات استهلاكية بلا نتيجة عملية. وقد تكرس أخرى الكثير من الوقت لتشخيص الواقع (مثلا واقع غابة المرابو) من دون أن تترجم مخرجات النقاشات الطويلة إلى فكرة قابلة للحياة على الأرض.
*     *     *
هل ستساهم هذه المؤشرات الإيجابية، بغض النظر عن وجود وفداحة المؤشرات السلبية، في تكريس قدر ما من التفاؤل الضروري لتوازنِ مدينةٍ تمشي على إيقاع يأس فاضح وغضب دفين منذ أزيد من عشرين سنة؟!




[1] - كان هذا النجاح وراء دعوة بعض المدونين الإلكترونيين إلى توسيع الحملة لتشمل بعض الرموز المحلية (محطة بنزين ومقهى عبد الحميد بلفيل رئيس المجلس الجماعي)، لكن  دون أن تحقق هذه الدعوة نتيجة تُذكر.
[2] - هناك صعوبة بالغة في تقدير مدى نجاح هذا الاضراب بدقة؛ لأسباب لا مجال لذكرها هنا. ويمكن التعمق في بعض تفاصيل هذا الاضراب وأسباب صعوبة تقييمه في مقال سابق منشور للكاتب تحت عنوان: الإضراب العام المحلي الإنذاري بالخميسات: ملاحظات وتقييم أولي. بتاريخ 16 يونيو 2018.
[3] - خلال الإضراب الوطني العام الذي نظمه التجار بتاريخ 8 يناير 2019، شارَك تجار المدينة بصورة شبه تامة في هذا الإضراب. هل لنا أن نقول أن الإضراب المحلي المذكور أعلاه شكَّل تمرينا جيدا لهذا الإضراب الأخير، وكان سببا رئيسا في نجاحه الكبير في المدينة؟!
[4] - لا حظ معي أن مبلغ ترميم شارع واحد لا يزيد عن 4 كيلومترات حدد في 7 مليارات سنتيما، بينما مبلغ تهيئة المدينة (طرق، حدائق، ملاعب) حدد في 4 مليارات سنتيما!!!
[5] - في سنة 2018، توفيت شابة من مدينة الخميسات في العشرينيات من عمرها غرقا في عرض البحر البيض المتوسط وهي في طريقها إلى إسبانيا عن طريق الهجرة السرية. ولم تكن الوحيدة التي شاركت في هذا النوع من المغامرات غير محمودة العواقب. وإذا لم تخن الذاكرة، فهي من حي السعادة - وهو واحد من أفقر أحياء المدينة وأقلها تجهيزا.
[6] - أذكر على سبيل المثال الباعة الجائلون بشارع ابن خلدون أمام الباب الخلفي للمستشفى الإقليمي وأمام مؤسسة طه حسين بشارع ابن سينا وقرب مسجد اليمن بشارع شعيب الدكالي.

تعليقات