محمد ضريف - الخميسات والتطوع ! «مبادرة تنشيط العمل المدني» (3)



        كثيرا ما وُصفت مدينة الخميسات بأنها مدينة "المهمشين" و "المقصيين"، وهذا الوصف نابع من خيبة الفشل التنموي الذريع الذي مس بناها المجتمعية والاقتصادية. وهي الأزمة التي أرخت بظلالها على النسيج المجتمعي والسياسي، إذ أضحت أغلب الهيئات المدنية تعيش أعطابا بنيوية؛ وهو ما شل حركيتها وديناميتها في الميدان، و حضورها الواعي والنبيه لرصد الاختلالات والأعطاب التي تعيق فعالية المدينة.

        في ظل هذا الوضع، يصبح التطوع ضرورة مجتمعية وأخلاقية، لإخراج المدينة من حالة الجمود التي تعيشها، وفتحها على آفاق إنسانية رحبة.كيف ذلك؟
        يُـعتبر العمل التطوعي ممارسة إنسانية وسلوكا اجتماعيا يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه، لكونه يقوم على اعتبارات أخلاقية واجتماعية وإنسانية، وغايته لا تقتصر فقط على المساعدات المادية، بل يطال الأمور الاجتماعية التي تهم الإنسان بصورة عامة، كالحفاظ على البيئة والاهتمام بالثقافة والتعليم والصحة ورفع مستوى المواطنين مادياً ومعنوياً.
        إن إرساء ثقافة التطوع لا يرتبط بمنطقة أو فضاء جغرافي وثقافي معين، بل أضحى قضية عالمية وإنسانية تشغِل المنتظم الدولي بشكل عام؛ لهذا انعقد المؤتمر العالمي للتطوع سنة 1990 في باريس، وفي غضون هذا اللقاء تبنى ممثلو أكثر من ستين دولة "الإعلان العالمي المتعلق بحقوق وواجبات المتطوعين" الذي أكد على المبادئ الأساسية التي تؤطر عملية التطوع وأهميته كأداة للتنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
        تَـفرض فلسفة التطوع الإيمان بحق الفرد في المساهمة لتخفيف المعاناة عن الناس، وسُمي بالعمل التطوعي، لأنه فعل إرادي وطوعي لا يبتغي صاحبه الربح منه، بل فقط تحقيق الخير العام لوطنه ومدينته. فالعمل التطوعي يساعدنا على ملء الثغرات التي تتركها السياسات العمومية،  لكونه يمَكن المتطوعين من تعبئة المواطنات والمواطنين خارج أوقات أعمالهم المهنية والأسرية من أجل تنشيط مجموعة من الأوراش كمحاربة الأمية والدعم المدرسي والمساهمة في بناء وترميم الطرقات في الأحياء الهامشية والمدارس، بالإضافة إلى تنظيم أوراش في نهاية الأسبوع بهدف تحسيس ساكنة الأحياء في مجال البيئة والصحة..، وتقديم يد المساعدة للفقراء والمهمشين الذين لفظتهم السياسات التنموية من حساباتها.

 
        كما أن للتطوع فوائد كثيرة على المتطوع، فهذا الأخير يشعر بالسعادة والنجاح عند قيامه بعمل يقدره الآخرون، لأن الأهم في هذه الحياة القصيرة هو ترك بصمة خير فيها، والتطوع يمنح الفرد هذه الفرصة ليكون كائنا أخلاقيا بأفق إنساني. ومدينة الخميسات تحتاج إلى ترسيخ الفعل التطوعي بين أبنائها، لأنهم هم من يمنحونها الحياة والدينامية اللازمتين لـتُــعبر عن كينونتها كمدينة و كفضاء للعيش الأنيق.

تعليقات